U3F1ZWV6ZTM1NDI5NDY5MDczNTIzX0ZyZWUyMjM1MTk3MjcwODI2Ng==

العوامل المؤثرة في بناء الشخصية (الجزء الثاني )،موقع الحياة العامة .

 

شخصية الإنسان باختلاف أنواعها 
       

                                            

 

دور المربي في العملية التربوية 

يقول د. مصطفي محمد الطحتن في كتابه "التربية ودورها في تشكيل السلوك ":
إن المربي هوعامل أساسي في حياة كل إنسان ،ويحتل أشد المواقع تأثيراً في تكوين شخصيته ،ذلك أن الإنسان يولد عاجزاً أتم العجز،وجاهلاً في كل شيء ،ولكنه إذ يحمل مواهبه الفطرية يغدو بأمس الحاجة إلي معلم مرب  يساعده علي استثارة دوافعه ،وتحويله من مجرد كائن عضوي إلي إنسان ذي شخصية متميزة .
وعلي المربي سواء أكان أماً او والداً او  معلماً أو داعية مرشداً أن يستشعر في قلبه الرحمة والحب والحنان لمن يربيه ،لا أن يقوم بواجبه عملا بدون روح وواجبا من غير رغبة ، يؤدي ماهو مطلوب منه كأنه مذياع أو آلة بلا إحساس ولا عاطفة .
يجب أن يشعر كل من حوله بأنه صادق في تربيته يتمني النجاح والتوفيق ويعين عليه ، ويبغض المعصية ولايبغض صاحبها .
وللمدرس أدوار متعددة يقوم بها في تعامله مع طالبه .

المدرس كرجل تعليم 

نشأ هذا الدور مع نزول القرآن الكريم ،وقام القراء ثم الفقهاء بدور المعلمين الأول لأحكام الدين ،استجابة لقوله تعالي :(فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ).
ومع الزمن تنوعت العلوم ،وتعددت طوائف المعلمين ،وتنوعت أساليب إعدادهم ،واماكن تواجدهم .

والمدرس كعالم 

وفرق بين معلم الفقه ..وبين الفقيه العالم ..
ومثل هؤلاء المدرسين الأعلام كانوا يدرسون أمهات الكتب ،والمراجع العلمية الكبري التي وضعها أئمة العلم في مختلف مجالات المعرفة .

  والمدرس كمرب        

وهذا الدور ربما فاق في أهميته غيره من الأدوار ،فالتعليم تربية ،والتربية عملية أخلاقية،والأخلاق ديانة وحضارة .ولهذا قدم المسلمون التأديب علي التعليم .
أثر عن أمير المؤمنين عمربن الخطاب رضي الله عنه قوله :(تأدبوا ثم تعلموا)..
وفي هذا يقول الزهري :(كنا نأتي العالم فما نتعلم من أدبه أحب إلينا من علمه ).

وعليه فقد اشترطوا علي المربي صفات شخصية نفسية وسلوكية تجعل منه مثالاً طيبا ونموذجا صالحا مؤهلا لبث القيم المرعية ،ودعم الاتجاهات الاجتماعية ،وتصحيح أخطاء السلوك الانحرافية .
قال بعض السلف :(كنا نمزح ونضحك فإذا صرنا يقتدي بنا، فما أراه يسعنا ذلك ).
وقال  ابن الجوزي :  (لو خرج العالم إلي الناس مكشوف الرأس وفي يده كسرة يأكلها قل عندهم ).
وعليه ،فعلي من نذر نفسه لهذه المهمة الخطرة ..أن يتحلي بمواصفات خاصة تمكنه من القيام بواجبه منها :
  1. أن يكون المربي مخلصاً في عمله ،ينظر لمهمته هذه علي أنها عبادة لله ..النية فيها خالصة ..والتوجه فيها صادق ..فلايمن علي تلامذته بتعليمه إياهم فهذا مما يفسد نية العبادة ..علي المربي أن يقتدي بالأنبياء الذين قالوا لأقوامهم :(لاأسألكم عليه أجرا)

2.أن يكون ربانيا 
إذا كان التربية والتعليم رسالة سامية لا يتقدم المجتمع إلا بها ..فإن دور المعلم أساس في أداء هذه الرسالة .قال تعالي :(ولكن كونوا ربانيين )
يقول الطبري شيخ المفسرين في تفسير هذه الآية :(الربانيون هم عماد الناس في الفقه والعلم وأمور الدين والدنيا ،وقال مجاهد :هم الأحبار الذين يجمعون بالإضافة إلي العلم والفقه ،البصر بالسياسة والتدبير والقيام بأمور الرعية ومايصلحهم في دنياهم ودينهم )، وبعبارة أخري أن تكون شخصيته أقوي ،وثقافته أعلي ،وفهمه لأحداث عصره أشمل وأعمق وأوعي.
3. أن يكون خلوقا
والأخلاق التي ينبغي أن يلتزمها المربي ،هي أخلاق الإسلام التي بينها الله تعالي في قرآنه ،وفصلها رسوله صلي الله عليه وسلم في سنته ،وانصبغ بها صحابته في سلوكهم ، وأهم مايخص المربي منها :

الصدق  

لقوله تعالي :(ياأيها الذين آمنوا ،اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ).
ويكون الصدق بالقصد والقول والعمل .والمربي المسلم يظهر أثر صدقه في وجهه وصوته ،فقد كان صلي الله عليه وسلم يتحدث إلي  من لا يعرفونه فيقولون :والله ما هو بوجه كذاب ولا صوت كذاب .


الحب 

لقوله تعالي علي لسان نبيه صلي الله عليه وسلم (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ).
ومن لوازم هذا الحب :
1.التذلل للمؤمنين (أذلة علي المؤمنين ) .                                                                                             2.والعزة علي الكافرين  (أعزة علي الكافرين ) .                                                                                                     3. وسلامة الصدر في التعامل مع الناس .                                                                                                                 4.والإيثار كمرحلة متقدمة في الحب .                                                                                                                       



                                                                                                                                                                                                            

الصبر 

وهو من فروض الإسلام .قال تعالي :(وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ).

ويكون الصبر:
صبرعلي طاعة الله ،وصبر علي معصية الله ،وصبر علي البلاء.

أما الصبر علي طاعة الله ،فيكون بالمحافظة عليها ووقوعها علي مقتضي الشرع .
والصبر علي المعصية ،فيكون بهجر السيئات والفرار من المعاصي .
أما الصبر علي البلاء ،فيكون بترك التسخط واحتمال المؤلم والمكروه وترك الشكوي للناس ..
والصبرضرورة لكل إنسان ..وهوللمسلم المربي ألزم .فقد لاتتحقق أهدافه بالسرعة المطلوبة ، وقد لايكون تلميذه بارا به ،ومع ذلك فلابد من الصبر الجميل حتي يتمكن من الوصول إلي أهدافه .



الرحمة 
لقوله صلي الله عليه وسلم :(لايرحم من لايرحم الناس )،و(لاتنزع الرحمة إلا من شقي ).
إن المربي لابد أن يكون إنسانا ينبض قلبه بالرحمة والشفقة علي من يعلمه ..والرحمة تهون علي المربي مايلقاه من أصحاب الغفلة والجهالة ..كما أنها تثمر العفو والصفح لقوله تعالي :(خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين ).



التواضع 
لقوله تعالي :(واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم )
وقوله تعالي :(واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين).



الحلم والأناة 
لقوله صلي الله عليه وسلم لأشج عبد القيس :(إن فيك خصلتين يحبهما الله :الحلم والأناة).



الرفق 

لقوله صلي الله عليه وسلم :(إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ).
هذه الأخلاقيات التي علي المربي أن يتحلي بها ،هي التي تولد الحب بينه وبين تلميذه ..وبغير الحب لاتربية ولاعطاء .

4.أن تكون العلاقة بين المعلم والتلميذ  قائمة علي المحبة والعطف المتبادلين ،علاقة (أخوة ) ،أو (أبوة )أو (بنوة ) .
يجب علي المربي أن تتوفر فيه الطبيعة الخيرة الرحيمة  الهينة اللينة .
المعدة لأن تتجمع عليها القلوب وتتألف حولها النفوس .يجب أن يكون رحيما بمن معه ، لينا معهم .فالناس بحاجة إلي كنف رحيم وإلي رعاية فائقة ،وإلي بشاشة سمحة ،وإلي ود يسعهم وحلم لايضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم ..في حاجة إلي قلب كبير يعطيهم ولايحتاج منهم إلي عطاء ،ويحمل همومهم ،ولايعنيهم بهمه ..ويجدون عنده دائما الإهتمام والرعاية والعطف ،والسماحة والود والرضاء .




لابد أن ينظر المربي إلي تلامذته كما ينظر الوالد إلي ولده ..انسجاما مع قوله صلي الله عليه وسلم :(إنما أنا لكم مثل الوالد لولده ).

يقول ابن جماعة أحد رواد الفكر التربوي (639 _732 هجرياً ):
(وينبغي أن يعتني المدرس بمصالح الطالب ، ويعامله بما يعامل أعز أولاده من الحنو والشفقة والإحسان إليه ،والصبر علي جفاء ربما وقع منه ،ونقص لايكاد يخلو الإنسان منه ، وسوء أدب في بعض الأحيان ،ويبسط عذره بحسب الإمكان ،ويوقفه مع ذلك علي ماصدر منه بنصح وتلطف ،لابتعنيف وتعسف ،قاصداً بذلك حسن تربيته وتحسين خلقه ،وإصلاح شانه ).

(وينبغي أن يتودد لحاضرهم ،ويذكر غائبهم بخير ،وأن يتعرف علي أسماء طلابه وأنسابهم ومواطنهم وأحوالهم ،ويكثر الدعاء لهم بالصلاح ).

(وينبغي أن يسعي في مصالحهم ،وجمع قلوبهم ،ومساعدتهم بما تيسر عليه من جاه ومال ،وإذا غاب بعضهم سأل عنه ،وعن أحواله ،وقام بزيارته ).

(وينبغي ألا يظهر للطلبة تفضيل بعضهم علي بعض عنده في مودة أو اعتقاد ،فإن ذلك ربما يوحش منه الصدر وينفر القلب ).
 
5_ لايتعصب لعلم دون الآخر 
ينبغي أن يكون المعلم حكما ً مخلصاً يوجه الطالب إلي مايفيده ..فلايثني علي العلوم التي يدرسها لتلميذه ويذم أخري ..فالعلوم تتكامل في النهاية ويستفيد منها الطالب في تكوين صورة متكاملة للأمور .

6_أن يكون حسن العطاء 
قادرا علي تقديم فكرته ،وفرق بين مدرس يتقن علومه فيبسطها ،ويحسن عرضها لطلابه ،ومدرس يفهم المادة علي حرف ، غير واضحه في نفسه ،وبالتالي لايستطيع توضيحها لطلابه ،فاقد الشيء لايعطيه .

7. أن يكون فعله مرآة صادقة لعلمه :
فتكون كلمته عظة وسلوكه قدوة .قال تعالي :(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ).

وقال سيدنا علي رضي الله عنه :قسم ظهري رجلان ،عالم متهتك وجاهل متنسك ،فالجاهل يغر الناس بتنكسه ،والعالم يغرهم بتهتكه .

8.يتدرج في تعليم تلاميذه وملاحظة قصورهم :

ولايدهشنا  أن نجد علمائنا التربويين علي خبرة بكثير من المباحث في السيكولوجية التعليمية .
ولقد لخص الإمام الغزالي هذه الوظيفة فقال :
(الوظيفة السادسة :أن يقتصر (المعلم) بالمتعلمين علي قدر افهامهم ،فلا يرقيهم إلي الددقيق من الجلي ،وإلي الخفي من الظاهر ،هجوما ،وفي أول رتبة ،ولكن علي قدر الاستعداد .

الوظيفة السابعة :
أن المتعلم القاصر (سواء أكان بالفهم أم بالسمع أم بالنطق أم بالبصر أم بالحركة ) ينبغي أن يذكر له مايحتمل فهمه ،حتي إذا استقل به رقي إلي غيره بالتدريج .

9.أن يتابع تلميذه :

في قاعات الدرس وخارجها ..في المدرسة وبعد انتهائها..في مرحلة التعليم والعمل ،يهتم به ويسدده ويأخذ بيده ،،كيف لا، أليس هو كالوالد ؟

10. أن يستخدم أسلوب التعريض قبل العقوبة :
كما وينبغي أن يستخدم المعلم الأسلوب الأسهل مع تلميذه في معرض إرشاده وتصحيح أخطائه وتقويم سلوكه .يعرض ولايصرح ، فالتصريح والتوبيخ العلني يورث الجرأة عند الطالب ويدفعه للإصرارعلي الخطأ .

ولقد رسخت الأبحاث التربوية النفسية مبدأ البعد ماأمكن عن التوبيخ واستعمال العبارات القاسية في مجال التربية والتعليم ..والاستعاضة عنها بالنصح ولفت النظر والتوجيه ..ولا يلجؤ للزجر إلا في المرحلة الأخيرة .فالأبوة لا تعني التغاضي عن العيوب الخفية ،وليست التربية تنمية الأخلاق الردية .

11. أن يكتشف الطاقات 
ومن أهم واجبات المربي القائد أن يتعرف علي طلابه ،فيضع كل واحد منهم في مكانه ،وكم من الطاقات اكتشفها المربون ،شجوعها وأحسنوا توجيهها ،فكان لها مكان مرموق في عملية الإصلاح الاجتماعي .






 




 

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة