U3F1ZWV6ZTM1NDI5NDY5MDczNTIzX0ZyZWUyMjM1MTk3MjcwODI2Ng==

الاستقامة في مائة حديث نبوي "استقامة السرائر " ،موقع الحياة العامة .


                                                         "استقامة السرائر "


                                                                      

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                   عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال :قال رسول الله صلي الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه :
((إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله تبارك وتعالي عنده  حسنة كاملة ،وإن هم بها فعملها كتبها الله عشر حسنات إلي سبعمائة ضعف إلي أضعاف كثيرة ،وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله تعالي عنده حسنة كاملة ،وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة )).

يبدأ الكثير بالحديث عن الحديث الذي رواه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أكثر من 33 صحابياً ، ولذي قال عنه بعض أئمة الحديث 

أنه وصل حد التواتر المعنوي ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمريء  ما نوي فمن كانت هجرته إلي الله ورسوله فهجرته إلي الله

 ورسوله ،ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أوإمرأة ينكحها فهجرته إلي ماهاجر إليه ).

فالنية أساس العمل ،تقترن النية الصالحة بالعمل القليل فترفعه ليكون من أقرب القربات أما النية السيئة فإذا اقترنت بالعمل الصالح الكثير فإنها تحيله إلي هباء منثور ،قال تعالي :((وقدمنا إلي ماعملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ً)).
أنظر إلي كرم الله تعالي :
ينوي المرء فعل حسنة ثم لايفعلها فيكتبها الله له حسنة ،فإذا فعلها تضاعفت عشراً أو مائة أو سبعمائة أو أكثر من ذلك إلي ماشاء الله بحسب نيته وإخلاصه .أما إذا نوي فعل سيئة ثم فعلها كتبت له سيئة واحدة لاغير .أما إذا لم يفعلها فإن الله يكتبها له حسنة .فلا تعجب من ذلك فإن ترك السيئة هو حسنة بذاته .
هذا الحديث يذكر المؤمن بأن ينوي فعل الخير في كل لحظة يستطيع ذلك ،فإن استطاع تنفيذ فعل الخير فيها ونعمت ،وإن لم يستطع فإن الله يجازيه علي حسن نيته ،وهكذا فإن نية المؤمن خير من عمله لأن ماينويه من خير أكثر مما يستطيع عمله في وقته المحدود وماله المحدود وقابليته المحدودة .
وقد يعجب بعض الناس من بركة عمل صالح لفرد ما حيث تتضاعف الفائدة منه وبذلك ينال صاحبه أجرا ً عظيما ً،بينما لا يحصل آخر عمل عملاً مشابها ً علي مثل تلك النتيجة ،وماذلك إلا بتأثير النية الحسنة في أغلب الأحيان ،فأول خطوات الإستقامة تصحيح النية لكي تكون خالصة لله تعالي .
والنية الحسنة لا تحيل المعصية خيراً . قيل كان رجل يسرق  كل يوم درهما ً فيشتري به خبزاً فيدفعه إلي فقير فلما إكتشف أمره قال إنه يسرق فيكسب سيئة واحدة فيتصدق فيكسب عشر حسنات ، تمحو إحداهن السيئة فيبقي له تسعا ً ،فهذا الجاهل قد إكتسب سيئة ولم تكتب له أية حسنة ،لأن الصدقة من الحرام غير مقبولة والنية الحسنة هنا لاتجدي نفعاً .لكن النية الحسنة في الأمر المباح تحيله عبادة ، فالترويح عن النفس بغير نية إذا لم يكن فيه معصية لاإثم ولا ثواب فيه ،إما إذا كانت النية في الترويح عن النفس الإستعداد لطاعة الله ، فعند ذلك يصبح الترويح عن النفس عبادة .
قال أبو الدرداء إني لأستجم نفسي بشيء من اللهو فيكون ذلك عوناً لي علي الحق ،وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :((روحوا القلوب فإنها إذا كرهت عميت )).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :((قال الله تبارك  وتعالي أنا أغني الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه )).              (رواه مسلم ).

الإخلاص شرط في قبول الله تعالي للعمل الصالح ،قال الله تبارك وتعالي ((وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين )) ،وقال ((ألا لله الدين الخالص)) ،قال الفضيل إبن عياض :ترك العمل من أجل الناس رياء ،والعمل من أجل الناس شرك ،والإخلاص أن يعافيك الله منهما .
وهكذا فإن تمام اليقين بشهادة أن لا إله إلا الله أن لا ينوي حينما يفعل إحسانا ً الا أن ذلك لله وحده ،ولا يترك فعلا إلا لله ،ولا يتاثر بفعل ما سواء حضر الناس أم غابوا ،فإنه ليس لله حاجة بعبادة أحد له ،وهو أغني الشركاء عن الشرك ،فإذا أشرك العبد في أمر ما بحيث قصد أن يكون لله وللناس ،فإن الله غير محتاج لذلك العمل .وعلي المسلم أن يراقب نيته وقصده في كل عمل فما كان فيه شركا ً مع الله تعالي فعليه أن يصحح نيته فيه لكي  تكون خالصة لله تعالي ،كما عليه أن يجتنب الشرك في القول ،كقول أحدهم :هذا لله وهذا لك ، أوقوله إذا أراد الله وأردت ،والحلف برأس المخاطب ،كما عليه أن يجتنب الشرك في الفعل كالذبح تحت أقدام البشر ،أو الركوع أمامهم ،أو الغلو في مدحهم بما يوهم رفعهم فوق مستوي البشر .

فعلي المؤمن أن يكون له ،ولو جزءاً من عمله خالصاً من أي رياء أو من علي أحد ،من أعمال السر بحيث لايعلم به أحد إلا الله كصدقة السر أو صلاة منفردة ليلاً أو إحسان لايعلم به أحد حتي المستفيد منه ويجهد نفسه علي أن تكون الأعمال الظاهرة الأخري خالصة من الشوائب قدر استطاعته فتلك خطوة أخري علي طريق الاستقامة . كما أن عليه أن لايترك عملاً صالحاً من أجل الناس قال الله تعالي عن المؤمنين :((يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم )) فهم لايرون لغير الله إرادة أو إستطاعة لضرر إلا بأذنه وكلما إزداد المؤمن إيماناً كلما وضحت عنده تلك الحقيقة وفتح الله له بحيث يري براهين جديدة تطمئن إليها نفسه ،كتبت عائشة رضي الله عنها إلي معاوية رضي الله عنه :سلام عليك :أما بعد فإني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول :((من أرضي الناس بسخط الله وكله الله إلي الناس ومن أسخط الناس برضاء الله كفاه الله مؤنة الناس )).

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :((أتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن )).(رواه الترمذي وقال حديث حسن ).


حث الله تعالي في القرآن الكريم علي التقوي في آيات كثيرة :((ياأيها الذين آمنوا إتقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون ))،((ياأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم )) ،((ياأيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليماً حكيما)).
كلمة التقوي مشتقة من الوقاية ،فالتقوي هي إطاعة الله خشية عذابه ((وهي عمل بطاعة الله علي نور من الله مخافة عقاب الله ))
ويدعوا الملائكة للمؤمنين كما يحكي لنا القرآن الكريم :((وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته )) ،وعلي المسلم أن يدعوا الله علي الدوام أن يقيه الوقوع في السيئات والآثام ،اليس هو الذي يدعوا ربه في كل ركعة من ركعات صلاته :((إهدنا الصراط المستقيم )).
وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يدعو :((اللهم إني أسألك الهدي والتقي والعفاف والغني )).

إن مكان التقوي هو القلب ،لكن الدليل علي مايضمره القلب هو الأعمال الظاهرة علي الجوارح ،فمن ادعي التقوي وكانت أعماله تناقض قوله فقد كذب .ويختلف مقدار ما يفرض الله علي المرء من تقوي بحسب إستطاعته ،قال الله تعالي :((فاتقوا الله مااستطعتم )).
والسبيل إلي التقوي هو مراقبة النفس ومنعها عن إتباع أهوائها بما يناقض أوامر الله تعالي ولكي تنقاد إلي ماأمرت به وعدم الغفلة سواء في حالة الانقياد إلي أمر الله أو اجتناب نواهيه ،قال تعالي :((إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون )).

عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال :((ثلاث من كن فيه وجدبهن حلاوة الإيمان :أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ،وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ،وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن انقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ))  (متفق عليه)


محبة العبد لربه نور يقذفه الله في قلوب من يحب من عباده الصالحين  حتي أن العبد ليجد حلاوة ذلك فلا يعبأ بما يلاقي من أذي في سبيل الله .اقرأ قوله تعالي :((ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة علي المؤمنين أعزة علي الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ،ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ))

وهكذا فإن محبة العبد لربه مقترنة بمحبة الله تعالي لعبده ومحبة العبد لربه دليل علي معرفته به ،قال الحسن البصري رضي الله عنه : من عرف ربه أحبه ،ومن عرف الدنيا زهد فيها ،والمؤمن لا يلهو حتي يغفل ،فإذا تفكر حزن .

ولكن مالدليل علي صدق من يدعي محبة الله تعالي ؟إن جواب ذلك في كتاب الله : ((قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ))

قال ذو النون المصري رضي الله عنه :من علامات المحبة لله عزوجل متابعة حبيب الله صلي الله عليه وسلم في أخلاقه وأفعاله وأوامره وسنته ،ومن يصدق في محبته لله ورسوله يرخص عنده كل غال في سبيل الله ،اقرأ قوله تعالي :((قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتي يأتي الله بأمره والله لايهدى  القوم الفاسقين ))وقد أحسن من قال :

تعصي الإله وأنت تزعم حبه       هذا لعمري في القياس شنيع 

لو كان حبك صادقاً لأطعته       أن المحب لمن بحب مطيع 


أتي اعرابي إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقال له متي الساعة ؟ قال له صلي الله عليه وسلم ((ماأعددت لها ؟)) قال حب الله ورسوله ،قال ((أنت مع من أحببت )) ، وهكذا فإن حب الله ورسوله لايدانيه في الثواب عمل آخر ،وعلي المؤمن أن ينظر إلي محبة الكفار لآلهتهم وأوليائهم مما سوي الله فيكون أشد حباً لله مما يحبون ،قال تعالي :((ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله )).

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :((الله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم سقط علي بعيره ،وقد اضله بأرض فلاة ))

هكذا يحب الله توبة عبده ،لذا عليه أن يتوب بعد كل ذنب أو معصية ،وليس ذلك فحسب بل عليه أن يجدد التوبة مرة بعد أخري ،((إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين )).

وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول :((إني لأستغفر الله في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة )).وإذا كان هذا حال رسول الله صلي الله عليه وسلم في الاستغفار والتوبة وهوالذي غفر الله له ماتقدم من ذنبه وماتأخر ، فكم علينا أن نستغفر الله ؟ومع ذلك تجد من بين المسلمين من يغفل عن ذلك إهمالا أو استهانة أو تكبراً.

وللتوبة شروط :

فإن كانت متعلقة بأمر هو لله فقط فشروطها ثلاثة هي :

الإقلاع عن الذنب والإصرار علي عدم العودة فيه والندم علي فعله ، أما إذا كانت متعلقة بحق آدمي فلها شرط رابع هو أن يسترضي صاحبها .ولا تتم التوبة إذا فقد أي شرط من شروطها.

إن حقوق الله تعالي أعظم من أن يقوم بها العباد :وأن نعم الله أكثر من أن تحصي ،((وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها )) ولكن علي المؤمن أن يصبح تائباً ويمسي تائباً .

إن التوبة والاستغفار دأب الصالحين  فقد سبقهم إلي ذلك الأنبياء والمرسلون .فآدم وحواء عليهما السلام :((قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين )).ويونس عليه السلام :((فنادي في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين )) ،فالإنسان معرض في حياته إلي النسيان والوقوع في الأخطاء ،فكل ابن آدم خطاء ،وخير الخطائين التوابين .

وكلما كان إستدراك الخطأ أسرع ،كلما كان ذلك أفضل .فإذا أعقب الذنب إستغفاراً سريعا ً ،كان ذلك أدعي لقبول التوبة .إن الأرض لتشهد لأي عمل يرتكب عليها فهي تشمئز من ذنوب العباد ،وتطرب فرحا ً  بالأعمال الصالحة فهي تشهد له بذلك يوم القيامة ، فعلي المرء أن يحرص علي أن لا يترك أرضا ً عمل فيها بمعصية الله إلا بعد أن يتبع ذلك بطاعة لله فيها ،(إن الحسنات يذهبن السيئات )).

وقال صلي الله عليه وسلم :((أتبع السيئة الحسنة تمحها )).

وعلي المسلم أن يعلم ان من الذنوب ما تكون عاقبته للمرء خيراً من الطاعات ،فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :((إن العبد ليذنب الذنب فيدخل به الجنة ))، قيل يا رسول الله كيف ذلك ؟ قال :((يكون نصب عينيه ، تائبا منه فارا ً ،حتي يدخل الجنة ))، فالمؤمن ليس ملكاً ولا نبياً معصوما ً من الخطايا لكنه يقظ يعمل جهده في أن لا يعصي ربه ،لكنه إذا أذنب أو أخطأ تاب وأناب فيكون ممن يحبهم الله تعالي .

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة