U3F1ZWV6ZTM1NDI5NDY5MDczNTIzX0ZyZWUyMjM1MTk3MjcwODI2Ng==

كيف تتغير من داخلك،موقع الحياة العامة .

                      كيف تتغير من داخلك :

كيف تصبح مبادرا ؟     


 

إن تلك العادة هي ذروة سنام العادات كلها ،إنها نقطة الانطلاق لأي تغيير حقيقي  في حياتنا .إنها تقول لك باختصار شديد أنت المسؤول عن حياتك وعما يحدث لك فيها ،وإذا أردت أن تغير أي شيء في حياتك فابدأ بالتغيير من نفسك.

هذه القاعدة العظيمة مبنية علي حقيقة بالغة الأهمية هي أن بين الفعل ورد الفعل مساحة تسمي "الإختيار"
هذا يعني باختصار :
أن الإنسان المبادر ،المطبق لهذه العادة بشكل كامل ،هو الذي يتحكم في ردود أفعاله لمايحدث له ،إنه يملك السيطرة علي نفسه وعلي تصرفاتته إزاء لما يحدث له .
إنه لايسمح لمشاعره أو أهوائه أو حتي للمحيطين به أن يملوا عليه ردود افعاله تجاه ما يحدث له هو_علي سبيل المثال _يعرف جيدا أنه لايمكن لأحد أن يغضبه ،إلاأن يغضب هو ،ولايمكن لأحد أن ينكد عليه يومه إلاأن يسمح هو بذلك ،ولايمكن لأحد أن يهينه إلا إذا قبل هو الإهانة ،ولاأن يذله إلاإذا ذل هو ، كما قال غاندي في كلمته الشهيرة :"إنهم لن يستطيعوا أن يأخذوا منا عزتنا إلاإذا أعطيناهم إياها ".

                                              
                                             تأملات حول أهمية المبادرة :
1.بإمكانك أن تختار ردود الأفعال علي المؤثرات الخارجية :

لعمرك مالمكروه إلا انتظاره                    وأعظم مما حل مايتوقع 

وما الخوف إلا ماخوفه الفتي                   وما الأمن إلا مارآه الفتي أمنا 

أعلل النفس بالآمال أرقبها                     ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل 

هذه بحق من أعظم الأفكار التي يمكن أن تمر علي خاطرإنسان .إنها تعطي الإنسان هامشاً كبيراً من الحرية يتلائم مع إنسانيته ومع خلقه حرا ً  .إنها من أعظم خصائص الإنسان التي كرمه الله بها . فهوليس برنامج كمبيوتر له ردود أفعال مبرمجة مسبقاً لكل مؤثر لايستطيع أن يخرج منها ،ولكنه حر في ان يختار ردة الفعل المناسبة لكل موقف .

عجباً لأمر المؤمن :

يلقي  هذا الحديث العظيم ضوءاً كاشفاً علي عادة المبادرة حيث يقول صلي الله عليه وسلم :عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ،وليس ذلك إلا للمؤمن :إن أصابته سراء شكر فكان خير له ،وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له .
هذه المعادلة البسيطة الجامعة المانعة هي الفاصل الحقيقي بين المؤثر وردة الفعل .
إنها توضح بجلاء أن المؤمن دائماً علي خير مهما تعرض له من الظروف والمؤثرات ،ذلك أن إيمانه بالله تعالي يرشده إلي تصرفات محددة منطلقة من إيجابيته الإيمانية وثقته بأن هذا الذي حدث له هو خير له .ثم هومأمور بالتصرف المناسب لكل واحد من هذه المؤثرات التي لن تخرج عن صنفين :
إن كانت خيراً شكر الله تعالي عليها ،وإن كانت شراً صبر عليها واحتسب الأجر عند الله تعالي .
وبهذا فهو يختار ردود أفعاله لما يحدث له بناءً علي خارطته الإيمانية ،يختار الصبر علي مايكره ،والشكر علي مايحب ،خلافاً لما يمليه عليه الهوي من الجزع عند الضراء ،والبطر عند السراء .

(وعسي أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم ):

إن عقيدة القضاء والقدر في الإسلام تمثل أهم مصادر هذه العادة في التفكير الإسلامي .ذلك أن الإنسان يعرف أن كل أقدار الله تعالي في النفس والكون هي متوافقة مع عظيم حكمته وكامل رحمته .فإذا أصاب الإنسان الضر أو أثرت عليه المؤثرات المعكرة فإنه مأمور بأن يكون رد فعله تجاه تلك المؤثرات إيجابياً ،إذ يعلّمنا الإسلام مفهوم الإبتلاء الذي يعود علي الإنسان بالخير الكبير .

فعلي الصعيد الشخصي ،يكفر الابتلاء عن المرء سيئاته :
"مايصيب المسلم من نصب ولاوصب ولاهم ولاحزن ولاأذي ولاغم حتي الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" ،ويذكره بربه :( فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون )،ويحضه علي التوبة :(أفلايرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لايتوبون ولاهم يذكرون ).
وعملياً، علمنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن نقول للمريض عندعيادته :"لابأس ،طهورإن  شآء الله "نذكره بالأثر الإيجابي للمرض من تطهير الذنوب .


كما علم صلي الله عليه وسلم من أصابته مصيبة أن يطلب من الله تعالي العوض فيقول:"اللهم أجرني في مصيبتي ،واخلفني خيراً منها.
وامتدح تعالي المؤمنين الصالحين :(الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنَّا لله وإنا إليه راجعون ) تذكيراً لأنفسهم بأنهم عبيد لله ،وتحت تصرفه ومشيئته ،وأنهم إليه راجعون ،تسلية لقلوبهم وأرواحهم عما أصابهم فاستحقوا بذلك صلاة الله ورحمته وهدايته :(أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ).كل هذه الأمور تساعد في تخفيف أثر المصيبة علي الإنسان وتدفعه إلي ردة الفعل الإيجابية .

وعلي النطاق الجماعي يعرف المؤمنون أن الابتلاء يمايز الصفوف :(أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين )،ويمحص المؤمنين :(وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ).
وبهذا نري بوضوح أن الإسلام ركز علي الجوانب الإيجابية في الابتلاء الذي يصيب الناس ،وعرَّف الإنسان المنافع الكبيرة التي قدتكون خافية عليه ،التي من أجلها كتب الله الابتلاء .

وبعد إدراك المنافع التي يمكن أن تتحقق من جراء مايظنه الإنسان شراً محضاً يقرر الله تعالي القاعدة العظيمة التي تفصل في جوهرها بين الرؤية الإنسانية القاصرة للأحداث في النفس والحياة التي تبني عليها عادة ردود الأفعال وبين الحقيقة المطلقة التي هي في علم الله التي ينبغي أن تسلم لها نفس المؤمن وتذعن :
(وعسي أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌلكم ،وعسي أن تحبوا شيئا وهو شرُ لكم والله يعلم وأنتم لاتعلمون ).

                                  (لكي لاتأسوا علي مافاتكم ولاتفرحوا بماآتاكم ):

ولقد بين الله تعالي الأثر الإيجابي لعقيدة القضاء والقدر علي ردود الأفعال في الآية العظيمة التي أعتبرها ركناً ركيناً في هذا السياق وهي قوله تعالي :(ماأصاب من مصيبة في الأرض ولافي أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ،إن ذلك علي الله يسير ،لكي لاتأسوا علي مافاتكم ولاتفرحوا بما آتاكم ،والله لايحب كل مختال فخور ).
ففي هذه الآية يبلغنا الله تعالي :لقد أعلمتكم بأن كل مايحدث لكم قد كتبته عليكم من قبل أن أخلق السماوات والأرض .
ثم يقول :"لكيلا"،أي أنني أعلمتكم هذه الحقيقة العظيمة حتي تؤثر في ردود أفعالكم فيما يجري عليكم من أقدار الله تعالي فتحميكم من ردود الأفعال السلبية ،ومنها الأسي :(لكي لاتأسوا علي مافاتكم )،وفي مقابلها الفرح المفرط المودي إلي الغرور :(ولاتفرحوا بماآتاكم ).فالمسلم إذن لاينظر إلي الماضي نظرة الأسي والحزن،ولايعذب تفسه بسوط (لو) وإنما يستسلم لقضاء الله وقدره :"وإن أصابك شيء فلاتقل لوأني فعلت كذا لكان كذا وكذا ،ولكن قل :قدر الله وماشاء فعل ،فإن لو تفتح عمل الشيطان .وبهذا يتبين أن عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر تعطي الإنسان هذه المساحة الإيمانية الفاصلة بين المؤثر والتأثير .

ويلخص لنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه  هذه النقطة في هذه المقولة العبقرية إذ يقول :"إنني ماأصبت بمصيبة إلاتذكرت ثلاثة أمور :أنه لم يبتليني بأشد منها ،وأنه لم يجعلها في ديني ،وأنه وعدني بالأجر إذا أنا صبرت عليها ،فما تذكرت ذلك إلا هانت علي المصيبة .

وفي ذلك يقول الشاعر :

وأعلم أني لم تصبني مصيبة         من الله إلا قد أصابت فتي قبلي 

ويقول الآخر :
قد ينعم الله بالبلوي وإن عظمت     ويبتلي الله بعض القوم بالنعم 

وللإمام ابن القيم كلام عذب في هذا المعني عند كلامه عن مشهد السلامة وبرد القلب فيقول رحمه الله :
ومشهد السلامة وبرد القلب مشهد شريف جداً لمن عرفه وذاق حلاوته ،وهوأن لايشتغل قلبه وسره بماناله من الأذي ،وبطلب الوصول إلي درك ثأره وشفاء نفسه ،بل يفرغ قلبه من ذلك ،ويري أن سلامة قلبه وبرده وخلوه من ذلك أنفع له ،وألذ وأطيب وأعون علي مصالحه .

المحديثين من علماء النفس يدندنون حول هذا المعني النبيل وهو أن تختار دائماً السلامة والتفاهم بدلا من أن تكون صوابا وأن تنتصر لرأيك في أي خلاف أو مناقشة ،وهذا كما ذكر ابن القيم رحمه الله من صميم المبادرة .
    

                          (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا):

ولكن عقيدة القضاء والقدر ليست عقيدة سلبية ،ليست شماعة يعلق عليها الإنسان أخطاءه وإخفاقاته ،كما يفهمها ويطبقها كثير من المسلمين اليوم وللأسف .
إنها تسليم لله في قضاءه وقدره في الأصل ،ولكن يتبع هذا التسليم أعمال إيجابية منها الصبروالدعاء والتضرع والتوبة والاستقامة والسعي في التغيير بأخذ الأسباب وغيرذلك .
ولقد خطي الإسلام خطوات عملاقة في هذا الباب ،فهو لم يقتصر علي تنبيهك أنك لابد أن تختار طريقة تأثرك بما يحدث من حولك ،وأن تضبط ذلك بالإيمان بالقضاء والقدر والمثوبة علي البلاء ،بل رتب أيضاً خطوات عملية دل الناس عليها مسبقاً في طريقة الإستجابة لأنواع شتي من الابتلاءات والتحديات وهوبذلك كأنما أعطانا الاسئلة وأجوبتها والمشكلة وحلها.
والأمثلة في ذلك كثيرة  جداً ولكن تكفي الإشارة إلي معني طلب التوبة عند حلول المصيبة كما في قوله تعالي :
(ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم ومايتضرعون )وقوله:(أفلايرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لايتوبون ولاهم يذكرون)،وقوله :(فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا).
ففي هذه الآيات :
ينكر الله عزوجل علي الكافرين أنهم لم يستفيدوا من المصائب والابتلاءات التي أنزلها الله عليهم بشكل متكرر بالاستجابة التي أنزل الله الابتلاء من اجلها .
كل هذه الاستجابات كما تري استجابات إيجابية تسعي إلي تقريب المسلم من ربه وتغيير مسار حيانه وتصحيح طريقه ز
وإن من أكثر الاستجابات إيجابية في حياة المسلم الدعاء والشكر .
الدعاء الذي ذكر النبي صلي الله عليه وسلم أنه يرد القضاء فقال :لايرد القدر إلا الدعاء .
هذا الدعاء والتضرع هومن أكثر الأعمال الإيجابية المتولدة عن الابتلاء .







                                                     

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة