U3F1ZWV6ZTM1NDI5NDY5MDczNTIzX0ZyZWUyMjM1MTk3MjcwODI2Ng==

أساليبه صلي الله عليه وسلم في التربية ،موقع الحياة العامة .

              أساليبه صلي الله عليه وسلم في التربية

                              

كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يختار في تعليمه من الأساليب أحسنها وأفضلها ،وأوقعها في نفس المخاطب ،وأقربها إلي فهمه وعقله ،وأشدها تثبيتا للعلم في ذهنه .ونسوق فيما يلي نماذج لهذه الأساليب  والطرائق :

نسوق هذه الوسائل لا لنجمد عند حروفها ..ولكن لنفهمها ونتخذها أصولا نبني حولها منهاجا متكاملا في التربية ..

                                                        (1)التربية بالقدوة 

وكان من أهم وأعظم وأبرز أساليبه صلي الله عليه وسلم في التعليم ،العمل والتخلق بالسيرة الحسنة والخلق العظيم ،فكان إذا أمر بشيء عمل به أولا ثم تأسي به الناس وعملوا كما رأوه ،وكان خلقه القرآن ،فكان علي الخلق العظيم ،وجعله الله أسوة حسنة لعباده ،قال تعالي :(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوالله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ).
 وللقدوة تأثير بالغ الأهمية في تربية الفرد  وتشكيل المجتمع .
فالطفل تتفتح عيناه علي الحياة فيجد قدوته أمه وأباه ..يتطبع بهما ،ويقلدهما في كل شيء ..إذا رآهما يصليان وقف معهما وتعلم الصلاة ..وإن أحس منهما الصدق كان صادقا ..وإذا جرب عليهما الكذب صار الكذب ديدنه ..وفي الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم عندما رأي امرأة تنادي ابنها وتقول :تعال أعطك .قال رسول :وما تعطيه ؟ قالت أعطيه تمرا ..قال المعلم المربي صلي الله عليه وسلم :لولم تعطه شيئا لكانت كذبة .
نبهها رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي خطورة المرحلة ..وأنها القدوة لطفلها الذي تربيه ،فلتنتبه لكلامها .
يستغرب الآباء لِمَ يتهرب الأطفال من البيوت للتدخين ..ويستغرب الأساتذة عندما يأوي طلابهم إلي ركن بعيد يدخنون فيه السجائر ..وكان الاحري بهم أن يدركوا السبب :فهو الأب المدخن اوالاستاذ المدخن أو الزميل المدخن .
وكما يتعلم الطفل من أبويه طريقة كلامه وأسلوب مشيته ،يتعلم منهما كذلك الأخلاق كالصدق والحب والوفاء ..فالطبع يسرق من الطبع ،ورسول الله صلي الله عليه وسلم ،يؤكد علي أن الطفل يولد علي الفطرة وأبواه يهودانه ،أوينصرانه أو يمجسانه ..يدفعانه في طريق الخير والإيمان والإسلام ..او في طريق الشر والانحراف .
وكما الأسرة في عالم الطفل كذلك الصاحب في الشارع ..والإمام في المسجد ..والمدرس في المدرسة ..والموجه في الجماعة ..يجب أن يكون كل منهم عملا بعمله ،فلايكذب قوله فعله ،لأن العلم يدرك بالبصائر والعمل يدرك بالأبصار وأرباب الأبصار أكثر .

قال تعالي :(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ).وقال أيضا :(ياأيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون ،كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالاتفعلون ).
إن وجود النماذج البشرية المتكاملة ،وقيامها أمام الناس في شتي مراحل النامية ،يعتبر من أنجع الطرق التربوية في مجالات الحياة 
السلوكية والانفعالية والعلمية والاجتماعية .فهذه الطريقة تقد م النموذج الحي الماثل للإنسان ولاسيما للأطفال والفتيان ،وتستثير فيهما الميول الفطرية الأولية للاقتداء والتقليد .فالإنسان فيه ثلاثة ميول فطرية متفاعلة في هذا المجال :
  • الميل للتقليد والمحاكاة .
  • والميل لحب المشاركة الوجدانية والاندماج .
  • والاستعداد لقبول الايحاء والاستهواء .
وهذه ميول تربوية ذات أثر بعيد وعميق في تكوين النفس الإنسانية انفعاليا وإدراكيا وسلوكيا .
فالإنسان -مثلا- حين يري أويسمع أمرا يعجبه ،فإنه يجد نفسه مندفعا بروح الإعجاب لمحاكاة ذلك الأمر المادي ،أو السلوك الوظيفي ،أو العادة السائدة .لأن في المشاركة الجماعية الوجدانية راحة وانسجام ،بينما في الشذوذ والمخالفة نوع من الاضطراب النفسي .
فوجود النماذج الحسنة من  الشخصيات الإنسانية ذات أهمية كبري في صياغة السلوك وأنماطه ،فالقدوة تقدم الأسلوب العملي الواقعي للحياة ،وليس مجرد أقوال وعظات .

لقد كان للقدوة الحسنة الأثر العميق في تعليم المسلمين وتثقيفهم وتغيير اتجاهاتهم وتعديل سلوكهم والأخذ بيدهم نحو بناء الشخصية الإسلامية والمجتمع الإسلامي .
وشكلت شخصية الرسول صلي الله عليه وسلم القدوة الحسنة التي تمثلت القرآن الكريم وحولت مبادئه ومعانبه إلي تصرفات وسلوك ومعاملات وأفكار ومشاعر .
مما حدا بأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أن تقول عندما سئلت عن خلق رسول الله صلي الله عليه وسلم :(كان خلقه القرآن ).
وتمكن رسول الله صلي الله عليه وسلم صاحب التطبيق العملي لمنهج القرآن الكريم من وصل أصحابه بالله عن فهم ومعرفة وإيمان .وصلهم بالقرآن الكريم ففهموه علي انه أوامر للتنفيذ ،فكان زاد قلوبهم ومطهر نفوسهم ،وموجه سلوكهم والصلة بينهم وبين ربهم .
لقد جاءت الدعوة للاقتداء بالرسول الكريم صلي الله عليه وسلم واضحة في قوله تعالي :(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله  كثيرا ).
    

     القدوة كالإمام 

يقول الإمام الغزالي حول هذا الموضوع :القدوة كالإمام الذي يحتاج للاقتداء به في الصلاة .والمربي سواء أكان عالما أو معلما فهو كالإمام الذي يتحمل مسؤولية كبيرة  ومن حق الناس عليه أن يكون قدوة صالحة .فإن العالم إذا لم يكن كذلك زلت موعظته عم القلوب كما يزل القطر عن الصفا .
وفي الطريق الطويل الممتد المبتديء برسول الله صلي الله عليه وسلم ،والمستمر إلي قيام الساعة ،وجدت نماذج أخري تمثلت دعوته واستلهمت قدوته وتخلقت بخلقه ..فكانت قدوة صالحة اقتدي بها الناس وحققوا بعض التقدم لهذا الدين .
والله سبحانه وتعالي من رحمته بعباده أنه يرسل علي رأس كل مائة عام أحد الأفذاذ القدوة يجددون للناس أمر دينهم ..

فلاحركة بدون قدوة ..ولاتربية بدون قدوة ..ولابناء بدون قدوة .
وكلما كانت جوانب العظمة في الإنسان القدوة متعددة ،كلما كان تأثيره أكبر وأشمل وأعمق .فأنت قد يبهرك إنسان زاهد عابد تعجب لزهده وانقطاعه للعبادة .. وقد يشدك إنسان سياسي بارع في عبارته ذكي في تحليله للأمور وربطه للأحداث ،وقد تعجب ببطل شديد المراس محنك في إدارته للمعارك ..وقد تعجب بإنسان عادل في حكمه حليم في طبعه أنيس في مواقفه ...
قد يشدك الكرم في شخص ،والأبوة الحانية في آخر ،والإنسانية التي تنشغل بكل الناس في ثالث ..وكلما تعددت جوانب العظمة في إنسان كان قدوة للمزيد من الناس الذين يعجبون بهذه الخلال ..

قدوة القدوات 

كان سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ..قدوة لجميع القدوات ،متعدد جوانب العظمة ..يجد فيه كل إنسان منصف جانبا عظيماً يشده إليه ..

كان متواضعا غاية التواضع ..(وهل أنا إلا ابن امرأة كانت تأكل القديد في مكة ).

إذا جاع الصحابة ووضعوا حجرا علي بطونهم ..كان أكثرهم جوعا فيكشف عن حجرين علي بطنه ..

شجاعا كما وصفه علي بن أبي طالب رضي الله عنه :(كان أشجعنا أقربنا إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم ).

بشيرا كما وصفه ربه :(وماأرسلناك إلاكافة للناس بشيرا ونذيرا ).

رحيما:(وماأرسلناك إلا رحمة للعالمين ).

مشركو مكة يضعون أماناتهم عنده ..فهوالأمين ..

وأبو سفيان وهو علي شركة يتهيبه فلا ينطق أمام هرقل ملك الروم عندما سأله عنه بكلمة تسيء إلي عظمته ..

لقد شكلت شخصية النبي صلي الله عليه العامل الرئيس في تعليم المسلمين وتثقيفهم وتغييرعقولهم واتجاهاتهم وتعديل سلوكهم والأخذ بيدهم نحو بناء الشخصية الإسلامية والمجتمع الإسلامي المتميز .

وجٌعل في هذا الدين حب الله مقترن باتباع القدوة معلم البشرية ،قال تعالي علي لسان رسوله صلي الله عليه وسلم :(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ).

كما قرن عليه الصلاة والسلام الإيمان بتفوق محبته علي أي شيء آخر ..

قال صلي الله عليه وسلم :(لايؤمن أحدكم حتي أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين ).

والقرآن الكريم إذ يركز علي ضرورة الاقتداء بالرسول باعتباره أسوة حسنة ،فإن التربية الإسلامية تتخذ من القدوة طريقا لتحقيق أهدافها ، فالمعلم كي يكون قدوة لابد وأن يتمثل المنهج الذي يعلمه ويربي به ،وان لايكون هناك أي تناقض بين قوله وعمله ،فيتخذه المتعلمون قدوة لهم يتأسون به في كل حركاته وسكناته ،فضلا عن أخلاقه ومنهجه ،وإلا فإن التربية تنقلب إلي تلقين وضغط وتسميع دون أي أثر عملي لها .

وإذا كانت التربية السليمة لاتعتمد علي مجردالمواعظ ..فإنها تعتمد أساسا علي المربيف رحيم الفاضل القدوة . الأمر الذي يحمل المربي مسؤولية كبيرة بأن يكون صورة حية لمايدعوا إليه ..علما وخلقا وتدينا ودفاعا عن الحق ووقوفا في وجه الظلم وسعيا وراء الكمال .

كان أميرالمؤمنين عمربن الخطاب رضي الله عنه إذا نهي الناس عن شيء جمع أهله فقال :إني نهيت الناس عن كذا وكذا ،وإن الناس ينظرون إليكم كما ينظرالطير إلي اللحم ،فإن وقعتم وقعوا ،وإن هبتم هابوا ،وإني والله لا أوتي برجل وقع فيما نهت الناس عنه إلاضاعفت له العذاب لمكانه مني !
فإذا أردت أن تكون مربيا ناجحا ..فلابد أن تكون قدوة لنفسك ..فمن المسلم به أن النصح لايمس شغاف القلب ولايؤثر في النفس إلاإذا كان صادرا عن قلب مخلص .
فإذا أراد المربي أن يبعد الآخرين عن فعل مشين ..فعليه أول الأمر أن يقلع هو عن ذلك..قال تعالي :(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ).
وقال تعالي علي لسان شعيب :(وماأريد أن أخالفكم لما أنهاكم عنه ).
من السهل أن تقرأ كتبا في التربية ..أو أن تكتب صفحات حولها ..ولكنك لن تكون مربيا صالحا حتي تكون قدوة حسنة ..تتخذ من رسول الله القدوة الأعظم والأكمل والأشمل ..قدوة لك .قال تعالي :(لقد جاءكم رسول من أنفسكم ،عزيز عليه ماعنتم ،حريص عليكم ،بالمؤمنين رؤوف رحيم ).

أما لك بي أسوة ؟

دخل رسول الله صلي الله عليه وسلم ذات يوم علي زوجته عائشة رضي الله عنها ،فوجدعندها نسوة ،وكانت فيهن واحدة كيئبة المحيا ،رثة الهيئة .فسأل رسول الله صلي الله عليه وسلم عنها ،فقيل له :إنها زوجة عثمان بن مظعون .وعثمان هو أحد المؤمنين الأولين السابقين ..انصرف كليا للعبادة ..وبالغ بالأمر حتي نسي نفسه وأهله ..وانشغل عنهم .
ذهب الرسول صلي الله عليه وسلم إليه وقال له :
(أمالك بي أسوة ..؟
قال عثمان :بأبي أنت وأمي ..وماذا ؟
قال الرسول :أتصوم النهار ..وتقوم الليل ؟
قال عثمان :إني لأفعل 
قال رسول الله :لاتفعل .إن لجسدك عليك حقا ..وإن لأهلك عليك حقا ..
فامتثل عثمان علي الفور للقدوة العظيمة ..وأقام العدالة النفسية الاجتماعية في جوانب حياته ..بعد أن مالت به نحو الغلو في جانب علي حساب الجوانب الأخري ..وتحضر زوجة عثمان إلي بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم نضرة سعيدة كأنها عروس ..وتسألها عائشة ،فتقول :أصابنا ما أصاب الناس ).
هذا هو الدور التربوي الذي تقوم به القدوة الحسنة ..فيكفي أن تقول لعثمان ..أمالك في أسوة ؟
حتي يسارع من فوره لتغييرسلوكه الخاطيء والاقتداء بسيرة صاحب الأسوة .

                                  الكل أمام القانون سواء 

                 

 والقائد القدوة ..أسوة لأصحابه في سيرته وخلقه ..ومعلم لهم في ضعفهم وخطئهم ،إذا رأي اعوجاجا قوّمه بأيسر وألين الأساليب ...وإذا راي انحرافا لم يسكت عنه حتي يستقيم .
روي أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت ،فقالوا :من يكلم فيها رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالوا :من يجتريء عليه غير أسامة بن زيد حب رسول الله صلي الله عليه وسلم .فكلمه أسامة فقال: رسول الله صلي الله عليه وسلم :
إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ،وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد :وأيم الله ،لوأن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها .
هذه هي الأسوة الحسنة التي لاتجامل في الحق فالكل عندها أمام القانون سواء .

نقص تقليد جاهلي متأصل 

كانت قضية التبني من العادات التي استقرت وتأصلت عند العرب .فقد كان للمتبني جميع الحرمات والحقوق التي كانت للابن الحقيقي سواء بسواء .
وكانت تلك القاعدة قد تأصلت في القلوب ،بحيث لم يكن محوها سهلا ،ولكنها في نفس الوقت قاعدة تعارض معارضة شديدة للأسس والمباديء التي قررها الإسلام في النكاح والطلاق والميراث وغير ذلك من المعاملات ،وكانت تلك القاعدة تجلب كثيرا من المفاسد والفواحش التي جاء الإسلام ليمحوها من المجتمع .ولهدم تلك القاعدة تجلب كثيرا من المفاسد والفواحش التي جاء الإسلام ليمحوها من المجتمع .ولهدم تلك القاعدة أمر الله تعالي رسوله صلي الله عليه وسلم أن ينكح زينب بنت جحش زوجة مولاه زيد ..كان الأمر شديدا علي رسول الله مخافة مايتركه مثل هذا الزواج من تأثير وأقوال ..ولكن الله يريد إبطال هذه العادة الضارة ،ولايمكن إبطالها إلابأن يتولي ذلك رسول الله بنفسه ،وهوالقدوة الحسنة ،التي يتسابق المسلمون إلي التاسي به .

كاد الناس أن يهلكوا 

يوم الحديبية بعد انتهاء الرسول صلي الله عليه وسلم من كتابة المعاهدة مع سهيل بن عمرو ،عز علي المسلمين الأمر ورأوا في رجوعهم مكة بدون أن يدخلوها ويعتمروا أمرا خطيرا يصدمهم ،خاصة وأن في بعض نصوص المعاهدة التي رضيها رسول الله صلي الله عليه وسلم ماأتعبهم وأذهلهم ،وحين أمرهم رسول الله صلي الله عليه وسلم ان يذبحوا الهدي ويحلقوا تثاقلوا ،فدخل رسول الله صلي الله عليه وسلم علي أم سلمة مغضبا يقول :كاد الناس أن يهلكوا ،فقالت :وما يهلكهم يارسول الله ؟فقال :أمرتهم أن يحلقوا وأن يذبحوا فلم يفعلوا .فقالت رضي الله عنها :
اخرج إليهم ولاتكلم أحدا منهم واعمد إلي الحلاق فخذ من شعرك واذبح بيدك هديك فإنهم إذا رأوك فعلت أسرعواوفعلوا ...فعل رسول الله ذلك ،فلما رأوه أسرعوا يحلقون ويذبحون ..إنها القدوة العملية التي امتصت الغضب وأعادت الناس إلي صوابهم .








تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة