U3F1ZWV6ZTM1NDI5NDY5MDczNTIzX0ZyZWUyMjM1MTk3MjcwODI2Ng==

تزكية النفس ،موقع الحياة العامة.

                            

                                تزكية النفس 

                                      

تعريف  التزكية :

أولاً في اللغة : مصدر من الفعل الثلاثي زكي ،وتستخدم للدلالة علي التطهير والنماء ،فيقال زكي الشيء أي: طهره وأصلحه ،وزكي نفسه أصلحها ونسبها إلي الطهر ،وتزكي الرجل :صار فاضلاً عادلاً واهتدي وصلح ،وأرض زكية بمعني طيبة .

وهي من جانب التصوف والفلسفة تعني تطهير النفس بالإنقطاع  عن العلاقات المتعلقة بالبدن ،فيقال زكي فلان نفسه أي :مدحها وأصلحها ،ونسب إليها الطهر من الذنوب بفعل الأعمال الصالحة .

أما تزكية النفس إصطلاحاً :  فهي تطهيرها وتنقيتها من الصفات المذمومة والقبيحة ،والسعي إلي تكميلها وتجميلها بالأعمال الصالحة 

في الإصطلاح الشرعي :أصل إستخدامات التزكية تتفق مع دلالتها اللغوية من حيث النماء والبركة والطهر ومنه فريضة الزكاة ،لأن

 البركة ترجي في نفس ومال مخرجها إلي مستحقيها ،ومن هذا الباب جآء الوصف بالتزكية لمن تحري مافيه تطهير له من أدران

 المعاصي ،فاستحق الأوصاف المحمودة في الدنيا ،وطمع بسبب ذلك بالأجر والمثوبة يوم لقاء الله سبحانه ،وتزكية النفس خلق

 مكتسب ،لذا امتدح الله عزوجل _الساعين نحو تزكية نفوسهم ،فقال (قد أفلح من زكاها ) وقال في آية أخري :(ألم تر إلي اللذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشآء ولا يظلمون فتيلا).

 فمعني الآية أن الله وحده هو الذي يعلم بالنفس التي تستحق التزكية وأما من لا يستحقها فعليه تزكية نفسه بنفسه ،مع تفويض وتوكيل الأمور إلي الله تعالي ‘فتزكية النفس لذاتها لا تجدي أي ثمرة ‘حيث إنها تحمل عليه حب النفس ،وطلب العلو والكبر والتفاخر والرفعة .

قال الإمام القرطبي تعليقاً علي الآية السابقة :
"يقتضي القص من المزكي لنفسه بلسانه ،والإعلام بأن الزاكي المزكي من حسنت أفعاله ،وزكاه الله عزوجل فلاعبرة بتزكية الإنسان نفسه ،وإنما العبرة بتزكية الله له .

*وتجدر الإشارة إلي أن تزكية النفس من الأمراض القلبية الخطيرة التي تعيق علي الفرد والمجتمع عملية الإصلاح ،فالنظر إلي النفس علي كاملة يعد من الأسباب التي تعميها عن النظر إلي العيوب والأمراض التي تحتاج إلي علاج ،مما يؤدي إلي العجب والحسد والكبر ،فالذي ينظر إلي نفسه علي أنها كاملة سيشعر بأنه يستحق التقدير والتعظيم والثناء ،مما يؤدي إلي إحتقار الناس بسبب عدم تقديرهم له ، وإن أثنوا علي غيره دخل الحسد إلي نفسه للمثني عليه .

                                           كيفية نزكية النفس :

تتحقق تزكية النفس بقيام العبد بالعديد من الأعمال التي توصله إليها ،وفيما يأتي بيان البعض منها بشكل مفصل :
  • التوبة والإنابة والرجوع إلي الله تعالي ،حيث إن التوبة تعد أولي مقامات العبودية للعباد السالكين ،مما يجعل العبد يستشعر مرحلة الإنتقال من التخلية إلي التحلية ‘حيث قال الله سبحانه وتعالي في كتابه العزيز( يآأيها الذين ءامنوا توبوا إلي الله توبة نصوحا عسي ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار .)
  • المداومة والإستمرار علي الإستغفار وعلي ذكر الله تعالي ،حيث ورد العديد من الآيات القرآنية التي تحث وترغب علي ذلك ،منها قول الله تعالي :وبالأسحار هم بستغفرون .
  • مخالفة النفس ،وإنكار الأعمال التي تقوم بها ،وإنكار ماعليه من القبائح والرذائل ،والعمل علي عدم تلبية ماتسعي إلي تحقيقه ،فالنفس مائلة إلي الراحة ،وورد عن الغزالي أنه قال في ذلك (أعلم أن أعدي عدوك نفسك التي بين جنبيك وقد خلقت أمارة بالسوء مباالغة في الشر فرارة من الخير ،وأمرت بتزكيتها وتقويتها وقودها بسلاسل القهر إلي عبادة ربها وخالقها ومنعها من شهواتها ،وفطمها عن لذاتها ،فإن أهملتها نجحت وشردت ولم تظفر بها بعد ذلك .
  • توبيخ النفس ،والعمل علي الوصول بها إلي الطاعة ،وقال الغزالي أيضاً في ذلك :(إن لازمت نفسك بالتوبيخ والمعاتبة والمذل والملامة كانت نفسك هي النفس اللوامة التي أقسم الله بها ورجوت أن تصير النفس المطمئنة المدعوة إلي أن تدخل في زمرة عباد الله راضية مرضية ).
  • المداومة علي وعظ النفس وتذكيرها بالموت وبالدار الآخرة ،فقد خاطب الغزالي النفس قائلاً :
  • رويحك يانفس لا ينبغي أن تغرك الحياة الدنيا ولا يغرك بالله الغرور ،فانظري لنفسك فما  أمرك بمهم لغيرك ،ولاتضيعي أوقاتك ،فالأنفاس معدودة ).
  • الظن السيء بالنفس ،والحرص علي عدم اغترارها بالأعمال الصالحة ،والحرص أيضاً علي عدم إحسان الظن بالنفس الذي يمنع من كمال التفتيش فيها ،وفي ذلك يقول بن القيم رحمه الله (علي السالك أن لايرضي بطاعته لله ،وألا يحسن ظنه بنفسه  .
  • الإخلاص في الأعمال ،وتنقيتها من الرياء ومن حظ النفس ،فتنقية العمل من الشوائب هي الأساس للإخلاص فيه ،كما بين بن القيم رحمه الله ،فالعمل يجب أن يكون خالياًمن حب التزين لقلوب الناس ،أوطلب المدح منهم والهرب من الذم ،وكذلك يجب الحرص علي الإبتعاد عن السعي في تعظيم الناس أو أموالهم ،أومحبتهم ،أي أن العمل يجب أن يكون متميزاً بإظهار حق الله فيه دون حظ النفس . 
  • وجوب محاسبة النفس ،حيث قال الله عزوجل :يآأيها الذين آمنوا أتقوا الله ولتنظر نفس ماقدمت لغد واتقوا الله .

عدم الإكثارمن النوم والاكل والكلام ،حيث إن كثرة الكلام في غير ذكر الله  من الأسباب التي تؤدي إلي قسوة القلب التي تؤدي  بدورها إلي البعد عن الله تعالي ،كماأن كثرة الأكل تؤدي إلي قوة نوازع الشهوات ،والإكثار من النوم بسبب الكسل والعجز .



                                                أهمية تزكية النفس :
اهتم أهل العلم بمعالجة النفس من الآفات والأمراض والعمل علي تزكيتها وتهذيبها ،وذلك للعديد من الثمار المترتبة علي ذلك ،وفيما يأتي بيان البعض منها :
  1. ورود العديد من الآيات التي تتحدث عن تزكية النفس منها قول الله تعالي "ونفس وماسواها" .
  2. تزكية النفس تعد غاية من الغايات التي أرسل بها محمد صلي الله عليه وسلم ،ثم كانت فيما بعد مهمة الدعاة والمرشدين .
  3. تحقيق صلاح الجسد بصلاح القلب .
4.النجاة يوم القيامة ،والسعادة في الدار الآخرة.

                                                     وسائل تزكية النفس :
تنقسم وسائل تزكية النفس إلي قسمين : وسائل معرفية ،ووسائل سلوكية وعملية ،والقسمين يكملان بعضهما البعض "لاينفكان "

أولاً: الوسائل المعرفية :

  • إدراك الغاية تالكبري من الوجود والسير علي هذه الغاية وحضور هذا المعني في النفس يددفعها للتزكية .
  • إدراك حقيقة الدنيا وعدم التعلق بها والزهد فيها كقول النبي صلي الله عليه وسلم (مالي وللدنيا ؟ ماأنا في الدنيا إلا كراكب تحت شجرة ،ثم راح وتركها.)
  • العلم بأسماء الله تعالي وصفاته ففقه الأسماء الحسني من أعظم مايعين علي تزكية النفوس .
  • إدراك حقيقة الضعف البشري للإنسان في نفسه ولبقية البشر للتخلص من الكبر الذي هو اعظم أمراض القلوب .
  • إدراك مراتب العبادات وفقه التقرب إلي الله .
التفكر ،العلم بالوسائل المعرفية يتطلب تفكر فلذلك عندما يغلق التفكر علي الإنسان فينغلق عنه وسيلة عظيمة من وسائل التزكية .

ثانياً:الوسائل السلوكية والعملية :

  • العبادات القلبية هي ميدان التنافس الحقيقي والتفاضل الحقيقي بين المسلمين لأن العمل عبارة عن عمل قلب وعمل جوارح .
  • معالجة القلوب من أمراضها ،فالتزكية هي تطهير للقلب وتنقية له ومن ثم زيادة الخير فيه .
  • التعبد العملي من قرآن وذكر ونوافل من أعظم مايسهم في تزكية النفس ،قال تعالي :"ألابذكر الله تطمئن القلوب "
  • المجاهدة والرياضة ،والرياضة هنا ليست بالرياضة البدنية ،وإنما هي ترويض النفس ،ومعالجة النفس وتعويدها .
الدعاء من قلب المؤمن العابد لله خير من دعاء قلب غافل ،من يرزق فقه الدعاء يرزق الطريق الأمثل للوصول إلي الله سبحانه وتعالي ،والناس يتفاوتون بمدي تفاوتهم في كيفية الدعاء لله .

                                       فوائد تزكية النفس :

اهتم الإسلام بالأخلاق وكمالها فحث علي الإلتزام بالأخلاق الحميدة ،وربط عليه الصلاة والسلام -تمام الإيمان بحسن الخلق وجعله معيار للتفضيل بين الناس ،وإهتمام الإسلام البالغ في الأخلاق لم يجعله يغفل عن طبيعة السلوك الإنساني ،فقد اقر القرءآن الكريم عبرالعديد من آياته أن الإنسان بطبعه خطاء ،ومن هنا جآءت الحاجة إلي تزكية النفس ،ومعرفة فوائدها وثمراتها وهي علي النحو التالي :

  • التزكية هدف عظيم في الدين الإسلامي :كما أنها أساس دعوة الرسل ومهمتهم ،وهذا ما أشار إليه قول موسي لفرعون (فقل هل لك إلي أن تزكي ).
  • التزكية سبب لسعادة الإنسان وفلاحه في الدنيا والآخرة :  
فعندما يجاهد الإنسان نفسه التي تأمره بالسوء ،ويسعي إلي تخليتها من الأخلاق المذمومة ،وتحليها بالأخلاق المحمودة .فإن ذلك يترتب عليه سعادته وفلاحه ونجاحه في الحياة الدنيا ،ونجاته في الحياة الآخرة ،وهذا ما أشار إليه قوله تعالي :(قد أفلح من زكاها ).  

                                    

                  
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة