U3F1ZWV6ZTM1NDI5NDY5MDczNTIzX0ZyZWUyMjM1MTk3MjcwODI2Ng==

العوامل المؤثرة في بناء الشخصية ،موقع الحياة العامة .

                           

            العوامل المؤثرة في بناء الشخصية "الجزء الأول"
  يقول د.مصطفي محمد الطحان في كتابه التربية ودورها في تشكيل السلوك إن عوامل عديدة تتدخل في بناء الشخصية الإنسانية ،أهمها دور الوراثة ،دور البيئة ،دور المربي ،دور الطالب .
أولاً _دور الوراثة 
هناك اتجاهان مختلفان عند العلماء الغربيين لتفسير الظواهر السلوكية لدي الأفراد .بحيث يعزي الإتجاه الأول أسباب هذه الظواهر إلي عوامل وراثية ،بينما يري أصحاب الإتجاه الثاني رد ذلك إلي عوامل بيئية .                                      
ففي الوقت الذي يؤكد فيه علماء الوراثة من أمثال (جولتون ) و(بيرسون ) علي أهمية الوراثة ،يؤكد علماء الاجتماع علي أهمية البيئة . 
يقول بيرسون :                                                                 إن الناس يرثون عن آبائهم القدرة والخجل والمشاعر والحالات النفسية ،بالطريقة نفسها التي يرثون بها الشكل ،واللون وطول القامة وغير ذلك .
يبنما يقول هنري جورج :                                                                              
إن العوامل الوراثية التي يبالغ الناس الآن في أهميتها لاقيمة لأثرها إذا قورنت بأثر العوامل التي تؤثر في الإنسان ،من هذا العالم .
وفي هذا إشارة إلي مدي الخلاف حول أثر العوامل الوراثية والبيئية في السلوك الإنساني .وإن كان أصحاب المدرسة الإجتماعية لم يغفلوا أثر الوراثة بالكامل بل قللوا من تأثيرها .

دور الجينات في الوراثة :

والوراثة هي :
جميع العوامل الموجودة في الكائن الحي من اللحظة التي تتم فيها عملية تلقيح الخلية الأنثوية بالخلية الذكرية .
وقد أثبت علماء الأحياء ان بالخلية خيوطاً  إسمها الصبغيات أو الكروموسومات ،وأن هذه الخيوط يمكن تقسيمها إلي مناطق متعددة ،وافترضوا علي ضوء الحقائق العلمية ان علي كل منطقة منها مايسمي بالجينات ،وأثبت علماء الوراثة أن هذه الجينات هي حوامل الاستعدادات الوراثية ،فالخلية الناتجة بعد التلقيح تحمل كروموسومات جينات بعضها من ناحية الأم ،وجينات بعضها من ناحية الأب ثم تبدأ الخلية تتكاثر مكونة الجنين .
وإذا كانت التفسيرات المبنية علي حقائق علمية لظاهرة الوراثة وأثرها في تكوين شخصية الطفل قد ظهرت مؤخراً إلا أن هذا العامل كان واضحاً من قبل ،فعلماء الماضي كانوا يدركون أن في بذرة الزهرة ،ونواة الشجرة ،ونطفة الإنسان والحيوان ذخائر تنقل صفات الأجيال السابقة للأجيال اللاحقة .
(ولقد اكتشف العلماء المسلمون ظاهرة الوراثة قبل أن يكتشفها علماء النفس والوراثة ،ودللوا علي كثيرمن آثارها ومميزاتها وأن لها دوراً إيجابياً في التكوين السليم وعدمه للانسان ،فهي تؤثر تأثيراً ذاتياً في الشخص منذ بداية تكوينه ).

 تخيروا لنطفكم : وفي هذا الإطار يمكننا فهم حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم :(تخيروا لنطفكم )
وقوله صلي عليه وسلم :(تزوجوا في الحجر الصالح فإن العرق دساس ).

فدلالة العرق في اختيار المرأة أوالرجل شريك حياته ،تماثل دلالة الجين في هذه الأيام .                       

فالاختيار للزواج  الذي يتحدث عنه رسول الله صلي الله عليه وسلم يقوم علي مبدأ الوراثة التي عبرت عنها لفظة دساس حيث تشير أن أخلاق الآباء تنتقل إلي الأبناء .. بمعني أنه في حال توفرت في الآباء صفات الصلاح والفلاح والأخلاق الفاضلة والنزعات الكريمة ،والميول الحسنة والنوايا الطيبة ،لابد وأن يكون للطفل نصيب من ذلك وهوفي بطن أمه .وسيكون علي عكس ذلك فيما لوطغت نزعات الشقاء علي والديه . وعليه فليس غريباً علي الطفل أن يكون شقياً أو سعيداً وهو في بطن أمه ..يؤيد ذلك حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم :(الشقي من شقي في بطن أمه ).
ويؤيده ماروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً من بني فزارة جآء إلي النبي صلي الله عليه وسلم  فقال :(إن امرأتي جآءت بولد أسود .فقال :هل لك من إبل ،قال نعم ،قال :ماألوانها ؟ قال :حمر ،قال فهل فيها من أورق ؟ قال: إن فيها لورقاء ،قال :فأنَا تراه ..؟ قال :عسي أن يكون نزعة عرق ،قال صلي الله عليه وسلم :
وهذا عسي أن يكون نزعة عرق ).
فالحديث واضح بأن هناك أعراقاً (جينات ) لها وظائقها ،منها الأعراق الصانعة للصفات العنصرية كلون البشرة ولون الشعر ولون العين وغير ذلك من الصفات .

وعليه يدعوالإسلام إلي زواج المعروفات بالصفات الحميدة تحسينا ً للنسل .جآء ذلك واضحاً في دعوة الرسول صلي الله عليه وسلم :(تزوجوا الودود الولود  ).
لبس هذا فحسب بل إن الإسلام لايتردد في أن يمنع الزواج في حال كانت المرأة مجنونة ،وكذلك في حق الرجل .فلقد روي عن الإمام علي رضي الله عنه :(إياكم وتزويج الحمقاء ،فإن صحبتها بلاء وولدها ضياع ).
ويظهر من هذه النصوص أن الطفل يرث في رحم الأم من صفات الآباء والأمهات .وهذا ماأشار إليه العالم الأمريكي الشهير "كاريل " عندما تحدث عن ضعف العقل والجنون ،فرغم عدم إنكاره أثر البيئة في ذلك إلا أنه يقرر بأن هذه المؤثرات تكون غالباً جزءاً من الإرث الذي يتلقاه كل فرد عن والديه .

                                           الأخلاق تتوارث وكذلك تتعلم                                         

    علماء التربية المسلمون يرون :

     أن الله خلق الأشياء وفق نمطين متباينين     

  1. أحدهما كامل كأعضاء البدن داخلاً وخارجاً .                       
  2. والآخر ناقصا فيه قوة لقبول الكمال .وكماله يكون بالتربية .                           فليس غريباً أن تنقل الموجودات الحية كثيراً من صفتها وخصائصها إلي الأجيال التي تليها ،فالأجيال اللاحقة تكتسب صفات الأجيال السابقة .
والأخلاق تتبع الأمزجة وتسري من الأصول إلي الفروع .قال النبي صلي الله عليه وسلم (تخيروا لنطفكم ) ،وقال أيضا: (عليكم بذات الدين ).

ويؤكد هذا المعني قوله صلي الله عليه وسلم :(إن الله اصطفي من ولد إبراهيم إسماعيل ،واصطفي من ولد اسماعيل كنانة ، واصطفي من كنانة قريشاً ،واصطفي من قريش بني هاشم ،واصطفاني من بني هاشم ،فأنا خيار من خيار من خيار ).

فالنواة تحتوي علي جميع الصفات المميزة للشجرة التي وجدت منها ،فعندما تزرع هذه النواة ،وتنبت تظهر تلك الصفات بشكل تدريجي . فالنواة تحتوي علي جميع الصفات المميزة للشجرة التي وجدت منها ،فعندما تزرع هذه النواة ،وتنبت تظهر تلك الصفات بشكل تدريجي .فالنواة ليست تفاحاً إلا أنها خلقت خلقة يمكن أن تصير تفاحاً إذا انضافت التربة إلي البيئة .

وفي هذا الإطار يوصي الإمام أبو حامد الغزالي -وقد اهتم بهذه الظاهرة _بأن لا يستعمل في حضانة الطفل وإرضاعه إلا امرأة متدينة تاكل الحلال .
فهو لايقصر دورها علي العملية التربوية كمؤثر بيئي وإنما يؤكد علي دور الوراثة في عملية بناء شخصية الطفل .
كما حث الإسلام (ومن نفس المنطلق ) اجتناباً للأمراض والعيوب الوراثية الإبتعاد عن الزواج بالقريبة الشديدة القرابة أوبمن يعاني نسلهم من أمراض وراثية ،قال النبي صلي الله عليه وسلم :اغتربوا ولا تضووا أي (لاتضعفوا ) .

والسؤال الذي يطرح نفسه :
هل الصفات التي تنتقل بالوراثة من الآباء إلي الأبناء هي صفات اللون والشعر فقط أم تتعداها إلي انتقال الأخلاق والسلوك ؟ حسم الأمر حديث النبي صلي الله عليه وسلم الصحيح الذي خاطب فيه أشج عبد القيس رضي الله عنه فقال صلي الله عليه وسلم :(إن فيك ياأشج خصلتين يحبهما الله ورسوله ،قال :ماهما بابي أنت وأمي يارسول الله ؟ قال :الحلم والأناة .قال :خلقان تخلقتهما أو خلقان جبلت عليهما ؟فقال :بل خلقان جبلك الله عليهما .فقال :الحمد لله الذي جبلني علي خلقين يحبهما الله ورسوله ).
والحديث واضح ...فالأخلاق كما تتعلم ..كذلك تتوارث .


              ثانياً :أثر البيئة في التربية 
والبيئة التي تؤثر في تكوين شخصية الانسان هي جميع العوامل المحيطة به وهي :
  • البيئة الطبيعية التي يعيش الانسان في كنفها ..فابن السهوب غير ابن الجبال ...والبيئة الصحراوية القاسية ...غير بيئة السهول الخصيبة ..كل الطبيعة التي يتفاعل معها الإنسان تؤثر في نفسيته وتطبع شخصيته .
والكل يعرف قصة الشاعر الذي جاء من صحرائه يمدح الخليفة العباسي فلم بجد غيرصور بيئته فقال :
أنت كالكلب في الوفاء        وكالتيس في قراع الخصوم .
فلما جلس في بغداد  "عاصمة الخلافة يومذاك ..رقت حاشيته وعذبت لغته فمدح الخليفة في قصيدة مشهورة مطلعها :
عيون المها بين الرصافة والجسر  جلبن الهوي من حيث أدري ولا أدري أثرت فيه البيئة وجمال الطبيعة .
  • والبيئة الإجتماعية التي تتكون من المجتمع البشري الذي يحيط بالانسان ،ابتداءا بالأسرة ومرورا بغيرها من الجماعات كجماعة اللعب والجوار والمدرسة والعمل وغيرها ،يكون الإنسان فيها عرضة للمؤثرات المختلفة التي تحاول أن تشكل شخصيته وفق العادات والتقاليد التي تنسجم مع نظرة هذه الأطراف إلي الحياة .
وعلي الرغم من أهمية عامل الوراثة في العملية التربوية ،إلا أن للمؤثرات البيئية دورا في بناء الإنسان لكونه وجد وجودا ناقصا ولديه الاستعداد أو القوة للسيرباتجاه الكمال في حال توفرت شروطه .
   

                                         تغليب أثر البيئة :

إن انتساب الإنسان إلي بيئته يضاهي انتسابه إلي آبائه ،كما أشار إلي ذلك الإمام ابن القيم حيث يقول : ولكن نحن أبناء الزمان ،والناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم ،ولكل زمان دولة ورجال .

فكل حال خالطته النفس مدة طويلة ،تتأثر به علي نحو معين ،تتكيف به الأفكار والتصورات والأخلاق والتصرفات علي شاكله خاصة ،وهو ماأوضحه ابن خالدون من كون أهل البدو أقرب إلي الشجاعة من أهل الحضر فقال :(واصله أن الإنسان ابن عوائده ومألوفه ،لابن طبيعته ومزاجه ،فالذي ألفه في الأحوال حتي صار خلقاً وملكة وعادة ينزل منزلة الطبيعة والجبلة ).
ويتجه هذا الكلام إلي تغليب أثر البيئة في السلوك ،علي أثر الفطرة الإنسانية التواقة إلي الصلاح والفضيلة ،وهو الموقف الذي اختاره مالك بن نبي حيث قال :(إن حياة الفرد قبل أن تكون منوطة بذاته الخاصة وموهبته الشخصية ،هي منوطة أولا وقبل كل شيء بصلته بمجتمع معين ).
ويرجع تفسير هذه الظاهرة إلي ميل النفس الشديد إلي الانشغال بما يفد عليها عبر منافذ الجسم من سمع وبصر وشم ولمس ،أكثر من انشغالها بما طبع عليها باطنها من سجايا ثابتة ،ومن ثم فإن لون البيئة تظل طاغية فيما ينتج عن النفس من مواقف فكرية وممارسات سلوكية .حيث (هناك ارتباط عضوي بين الفرد وإطاره الاجتماعي ،فمعطيات البيئة الاجتماعية سلبية كانت أم إيجابية تنعكس فكرياً ووجدانياً علي تكوين الفرد وحياته ،من خلال تفاعله المستمر مع الآخرين ،فالأفراد في المجتمع يتعلم بعضهم من بعض ،ويتأثر الجميع بالأشياء المحيطة .كما أن تيار المؤثرات قد يزعزع فيهم قيما واتجاهات ،وقد يزرع فيهم قيما واتجاهات أخري ).
وفي الأثر النبوي أن المسكن مما يتشائم منه ...ومسكن الإنسان هو بيئته القريبة منه .
وفي الحديث ..أن الرجل الذي قتل تسعا وتسعين رجلا وكان يبحث عن التوبة ..أمره الرجل الصالح بمغادرة المكان أي بتغيير البيئة الفاسدة إلي بيئة أكثر صلاحا .
وإذا كان العامل الوراثي ،والتقاء نطفة الرجل ببويضة المرأة ،مسؤولا عن تكوين الجنين ،فإن رحم الأم الذي يتمتع بكافة الشروط المطلوبة لإتمام عملية النمو هو البيئة المناسبة التي تمد هذا الجنين بمقومات الحياة .
فكان عوامل البيئة من الخارج ،وعوامل الوراثة من الداخل تعملان معا ومنذ اللحظة الأولي في بناء الحياة .
وكما أن البدن في الابتداء لايخلق كاملا وإنما يكمل ويقوي بالنشوء والتربية وبالغذاء ،فكذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال وإنما تكمل بالتربية وتهذيب الأخلاق والتغذية بالعلم .
وحديث النبي صلي الله عليه وسلم :(مامن مولود إلا ويولد علي الفطرة ،فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)،يوضح هذا التلازم بين الوراثة والبيئة في العملية التربوية .

فالطفل يولد علي الفطرة السوية وأبواه (أي البيئة ) يجعلان هذه الفطرة تستقيم علي طبيعتها السوية أو يعملان علي انحرافها ،وذلك حسب التوجيه الذي يوجهانه به ،أو التربية التي يربيانه عليها .ومن هنا فالبيت والشارع والمدرسة والمجتمع ذو أثر حقيقي وحاسم في تنشئة الطفل . مع عدم إغفال العامل الوراثي علي الإطلاق ،بل مع توكيد وجوده وتوكيد أهميته في الحياة البشرية .
أين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الإسلام من عمر في الجاهلية ..؟
أين جفوة القلب ،وخشونة الحس ،والعناد الأصم ،من رقة عمر حين أسلم ،ولين جانبه إلي الحق وانعطافه إليه ،وحساسيته المرهفة وبكائه لآلام الناس ...؟ ومع ذلك فإن الطابع العام لعمر رضي الله عنه ليس هو الذي تغير (الجانب الوراثي )،وماكان مطلوباً منه في الإسلام أن يتغير .بقيت له قوته وصرامته وحسمه وعزمه ..ولكن في الحق والخير وانفاد كلمة الله .

  • المؤسسات الإجتماعية :
تقوم المؤسسات الإجتماعية وهي مؤسسة البيت أو الأسرة ،والشارع ،والمدرسة ،والمسجد والجماعات السياسية والاجتماعية ،وغيرها من المؤسسات ،التي يتدرج الإنسان في محاضنها مرحلة بعد مرحلة ..بدور رئيس في إصلاح الفرد وتهذيبه ،وإذا كان التدخل في العامل الوراثي بعد ولادة الطفل أصبح مستحيلاً ،فإن التدخل في عامل البيئة والمؤسسات المكونة لها ممكن ،وعليه فإن التربية تقوم أساسا ً علي التدخل في البيئة لتقوية العوامل الوراثية الإيجابية أو التخفيف من سلبيتها .                                                                              
                          

 

شخصية الإنسان باختلاف أنواعها 
       

                                            

 

دور المربي في العملية التربوبة:

إن المربي هوعامل أساسي في حياة كل إنسان ،ويحتل أشد المواقع تأثيراً في تكوين شخصيته ،ذلك أن الإنسان يولد عاجزاً أتم العجز،وجاهلاً في كل شيء ،ولكنه إذ يحمل مواهبه الفطرية يغدو بأمس الحاجة إلي معلم مرب  يساعده علي استثارة دوافعه ،وتحويله من مجرد كائن عضوي إلي إنسان ذي شخصية متميزة .
وعلي المربي سواء أكان أماً او والداً او  معلماً أو داعية مرشداً أن يستشعر في قلبه الرحمة والحب والحنان لمن يربيه ،لا أن يقوم بواجبه عملا بدون روح وواجبا من غير رغبة ، يؤدي ماهو مطلوب منه كأنه مذياع أو آلة بلا إحساس ولا عاطفة .
يجب أن يشعر كل من حوله بأنه صادق في تربيته يتمني النجاح والتوفيق ويعين عليه ، ويبغض المعصية ولايبغض صاحبها .
وللمدرس أدوار متعددة يقوم بها في تعامله مع طالبه .

المدرس كرجل تعليم 

نشأ هذا الدور مع نزول القرآن الكريم ،وقام القراء ثم الفقهاء بدور المعلمين الأول لأحكام الدين ،استجابة لقوله تعالي :(فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ).
ومع الزمن تنوعت العلوم ،وتعددت طوائف المعلمين ،وتنوعت أساليب إعدادهم ،واماكن تواجدهم .

والمدرس كعالم 

وفرق بين معلم الفقه ..وبين الفقيه العالم ..
ومثل هؤلاء المدرسين الأعلام كانوا يدرسون أمهات الكتب ،والمراجع العلمية الكبري التي وضعها أئمة العلم في مختلف مجالات المعرفة .

  والمدرس كمرب        

وهذا الدور ربما فاق في أهميته غيره من الأدوار ،فالتعليم تربية ،والتربية عملية أخلاقية،والأخلاق ديانة وحضارة .ولهذا قدم المسلمون التأديب علي التعليم .
أثر عن أمير المؤمنين عمربن الخطاب رضي الله عنه قوله :(تأدبوا ثم تعلموا)..
وفي هذا يقول الزهري :(كنا نأتي العالم فما نتعلم من أدبه أحب إلينا من علمه ).

وعليه فقد اشترطوا علي المربي صفات شخصية نفسية وسلوكية تجعل منه مثالاً طيبا ونموذجا صالحا مؤهلا لبث القيم المرعية ،ودعم الاتجاهات الاجتماعية ،وتصحيح أخطاء السلوك الانحرافية .
قال بعض السلف :(كنا نمزح ونضحك فإذا صرنا يقتدي بنا، فما أراه يسعنا ذلك ).
وقال  ابن الجوزي :  (لو خرج العالم إلي الناس مكشوف الرأس وفي يده كسرة يأكلها قل عندهم ).
وعليه ،فعلي من نذر نفسه لهذه المهمة الخطرة ..أن يتحلي بمواصفات خاصة تمكنه من القيام بواجبه منها :
  1. أن يكون المربي مخلصاً في عمله ،ينظر لمهمته هذه علي أنها عبادة لله ..النية فيها خالصة ..والتوجه فيها صادق ..فلايمن علي تلامذته بتعليمه إياهم فهذا مما يفسد نية العبادة ..علي المربي أن يقتدي بالأنبياء الذين قالوا لأقوامهم :(لاأسألكم عليه أجرا)

2.أن يكون ربانيا 
إذا كان التربية والتعليم رسالة سامية لا يتقدم المجتمع إلا بها ..فإن دور المعلم أساس في أداء هذه الرسالة .قال تعالي :(ولكن كونوا ربانيين )
يقول الطبري شيخ المفسرين في تفسير هذه الآية :(الربانيون هم عماد الناس في الفقه والعلم وأمور الدين والدنيا ،وقال مجاهد :هم الأحبار الذين يجمعون بالإضافة إلي العلم والفقه ،البصر بالسياسة والتدبير والقيام بأمور الرعية ومايصلحهم في دنياهم ودينهم )، وبعبارة أخري أن تكون شخصيته أقوي ،وثقافته أعلي ،وفهمه لأحداث عصره أشمل وأعمق وأوعي.
3. أن يكون خلوقا
والأخلاق التي ينبغي أن يلتزمها المربي ،هي أخلاق الإسلام التي بينها الله تعالي في قرآنه ،وفصلها رسوله صلي الله عليه وسلم في سنته ،وانصبغ بها صحابته في سلوكهم ، وأهم مايخص المربي منها :

الصدق  

لقوله تعالي :(ياأيها الذين آمنوا ،اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ).
ويكون الصدق بالقصد والقول والعمل .والمربي المسلم يظهر أثر صدقه في وجهه وصوته ،فقد كان صلي الله عليه وسلم يتحدث إلي  من لا يعرفونه فيقولون :والله ما هو بوجه كذاب ولا صوت كذاب .


الحب 

لقوله تعالي علي لسان نبيه صلي الله عليه وسلم (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ).
ومن لوازم هذا الحب :
1.التذلل للمؤمنين (أذلة علي المؤمنين ) .                                                                                             2.والعزة علي الكافرين  (أعزة علي الكافرين ) .                                                                                                     3. وسلامة الصدر في التعامل مع الناس .                                                                                                                 4.والإيثار كمرحلة متقدمة في الحب .                                                                                                                       



                                                                                                                                                                                                            

الصبر 

وهو من فروض الإسلام .قال تعالي :(وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ).

ويكون الصبر:
صبرعلي طاعة الله ،وصبر علي معصية الله ،وصبر علي البلاء.

أما الصبر علي طاعة الله ،فيكون بالمحافظة عليها ووقوعها علي مقتضي الشرع .
والصبر علي المعصية ،فيكون بهجر السيئات والفرار من المعاصي .
أما الصبر علي البلاء ،فيكون بترك التسخط واحتمال المؤلم والمكروه وترك الشكوي للناس ..
والصبرضرورة لكل إنسان ..وهوللمسلم المربي ألزم .فقد لاتتحقق أهدافه بالسرعة المطلوبة ، وقد لايكون تلميذه بارا به ،ومع ذلك فلابد من الصبر الجميل حتي يتمكن من الوصول إلي أهدافه .



الرحمة 
لقوله صلي الله عليه وسلم :(لايرحم من لايرحم الناس )،و(لاتنزع الرحمة إلا من شقي ).
إن المربي لابد أن يكون إنسانا ينبض قلبه بالرحمة والشفقة علي من يعلمه ..والرحمة تهون علي المربي مايلقاه من أصحاب الغفلة والجهالة ..كما أنها تثمر العفو والصفح لقوله تعالي :(خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين ).



التواضع 
لقوله تعالي :(واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم )
وقوله تعالي :(واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين).



الحلم والأناة 
لقوله صلي الله عليه وسلم لأشج عبد القيس :(إن فيك خصلتين يحبهما الله :الحلم والأناة).



الرفق 

لقوله صلي الله عليه وسلم :(إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ).
هذه الأخلاقيات التي علي المربي أن يتحلي بها ،هي التي تولد الحب بينه وبين تلميذه ..وبغير الحب لاتربية ولاعطاء .

4.أن تكون العلاقة بين المعلم والتلميذ  قائمة علي المحبة والعطف المتبادلين ،علاقة (أخوة ) ،أو (أبوة )أو (بنوة ) .
يجب علي المربي أن تتوفر فيه الطبيعة الخيرة الرحيمة  الهينة اللينة .
المعدة لأن تتجمع عليها القلوب وتتألف حولها النفوس .يجب أن يكون رحيما بمن معه ، لينا معهم .فالناس بحاجة إلي كنف رحيم وإلي رعاية فائقة ،وإلي بشاشة سمحة ،وإلي ود يسعهم وحلم لايضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم ..في حاجة إلي قلب كبير يعطيهم ولايحتاج منهم إلي عطاء ،ويحمل همومهم ،ولايعنيهم بهمه ..ويجدون عنده دائما الإهتمام والرعاية والعطف ،والسماحة والود والرضاء .




لابد أن ينظر المربي إلي تلامذته كما ينظر الوالد إلي ولده ..انسجاما مع قوله صلي الله عليه وسلم :(إنما أنا لكم مثل الوالد لولده ).

يقول ابن جماعة أحد رواد الفكر التربوي (639 _732 هجرياً ):
(وينبغي أن يعتني المدرس بمصالح الطالب ، ويعامله بما يعامل أعز أولاده من الحنو والشفقة والإحسان إليه ،والصبر علي جفاء ربما وقع منه ،ونقص لايكاد يخلو الإنسان منه ، وسوء أدب في بعض الأحيان ،ويبسط عذره بحسب الإمكان ،ويوقفه مع ذلك علي ماصدر منه بنصح وتلطف ،لابتعنيف وتعسف ،قاصداً بذلك حسن تربيته وتحسين خلقه ،وإصلاح شانه ).

(وينبغي أن يتودد لحاضرهم ،ويذكر غائبهم بخير ،وأن يتعرف علي أسماء طلابه وأنسابهم ومواطنهم وأحوالهم ،ويكثر الدعاء لهم بالصلاح ).

(وينبغي أن يسعي في مصالحهم ،وجمع قلوبهم ،ومساعدتهم بما تيسر عليه من جاه ومال ،وإذا غاب بعضهم سأل عنه ،وعن أحواله ،وقام بزيارته ).

(وينبغي ألا يظهر للطلبة تفضيل بعضهم علي بعض عنده في مودة أو اعتقاد ،فإن ذلك ربما يوحش منه الصدر وينفر القلب ).
 
5_ لايتعصب لعلم دون الآخر 
ينبغي أن يكون المعلم حكما ً مخلصاً يوجه الطالب إلي مايفيده ..فلايثني علي العلوم التي يدرسها لتلميذه ويذم أخري ..فالعلوم تتكامل في النهاية ويستفيد منها الطالب في تكوين صورة متكاملة للأمور .

6_أن يكون حسن العطاء 
قادرا علي تقديم فكرته ،وفرق بين مدرس يتقن علومه فيبسطها ،ويحسن عرضها لطلابه ،ومدرس يفهم المادة علي حرف ، غير واضحه في نفسه ،وبالتالي لايستطيع توضيحها لطلابه ،فاقد الشيء لايعطيه .

7. أن يكون فعله مرآة صادقة لعلمه :
فتكون كلمته عظة وسلوكه قدوة .قال تعالي :(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ).

وقال سيدنا علي رضي الله عنه :قسم ظهري رجلان ،عالم متهتك وجاهل متنسك ،فالجاهل يغر الناس بتنكسه ،والعالم يغرهم بتهتكه .

8.يتدرج في تعليم تلاميذه وملاحظة قصورهم :

ولايدهشنا  أن نجد علمائنا التربويين علي خبرة بكثير من المباحث في السيكولوجية التعليمية .
ولقد لخص الإمام الغزالي هذه الوظيفة فقال :
(الوظيفة السادسة :أن يقتصر (المعلم) بالمتعلمين علي قدر افهامهم ،فلا يرقيهم إلي الددقيق من الجلي ،وإلي الخفي من الظاهر ،هجوما ،وفي أول رتبة ،ولكن علي قدر الاستعداد .

الوظيفة السابعة :
أن المتعلم القاصر (سواء أكان بالفهم أم بالسمع أم بالنطق أم بالبصر أم بالحركة ) ينبغي أن يذكر له مايحتمل فهمه ،حتي إذا استقل به رقي إلي غيره بالتدريج .

9.أن يتابع تلميذه :

في قاعات الدرس وخارجها ..في المدرسة وبعد انتهائها..في مرحلة التعليم والعمل ،يهتم به ويسدده ويأخذ بيده ،،كيف لا، أليس هو كالوالد ؟

10. أن يستخدم أسلوب التعريض قبل العقوبة :
كما وينبغي أن يستخدم المعلم الأسلوب الأسهل مع تلميذه في معرض إرشاده وتصحيح أخطائه وتقويم سلوكه .يعرض ولايصرح ، فالتصريح والتوبيخ العلني يورث الجرأة عند الطالب ويدفعه للإصرارعلي الخطأ .

ولقد رسخت الأبحاث التربوية النفسية مبدأ البعد ماأمكن عن التوبيخ واستعمال العبارات القاسية في مجال التربية والتعليم ..والاستعاضة عنها بالنصح ولفت النظر والتوجيه ..ولا يلجؤ للزجر إلا في المرحلة الأخيرة .فالأبوة لا تعني التغاضي عن العيوب الخفية ،وليست التربية تنمية الأخلاق الردية .

11. أن يكتشف الطاقات 
ومن أهم واجبات المربي القائد أن يتعرف علي طلابه ،فيضع كل واحد منهم في مكانه ،وكم من الطاقات اكتشفها المربون ،شجوعها وأحسنوا توجيهها ،فكان لها مكان مرموق في عملية الإصلاح الاجتماعي .






 




 


         


                                            



                                                                 

                                                                         



                                                                                                                          

 

 






  
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة